تعقيبا على ماكتبه الدكتور ضيف الله مهدي حفظه الله في مقاله المحكم ( من يربي ألأبناء؟: الشارع والخادمة أم الوالدان؟ مما خطر في بالي )الذي وضع القارئ مباشرة أمام حقيقة أن الأبوة والأمومة هي فن إدارة الأنماط السلوكية وأن الاستجابة الصحيحة للسلوك السلبي هي ما يحدد نضج الشخصية ونجاحها في المستقبل . لقد أصبت الهدف. إن ترك مسؤولية التربية للعاملات المنزليات (الخادمات) أو السائقين أو ما هو أسوأ للشارع ووسائل الإعلام المفتوحة يمثل تخليا كارثيا عن الدور الأبوي والأمومي الأساسي وهو ليس مجرد إهمال بل هو مسؤولية أخلاقية واجتماعية ضخمة تقع على عاتق الوالدين اشكر الدكتور ضيف الله على هذا المقال الهادف وقد دخلت الى مكتبتي واجريت بحثا متواضع وان شاء الله يفيد القارئ .
التعقيب ,الإضافة لمقال الدكتور ضيف الله حفظه الله (Addition or Completion)
ان التربية تعد حجر الاساس في بناء شخصية الفرد ولا يقتصر تأثيرها على غرس الفضائل فحسب بل يمتد ليشمل تشكيل وتوجيه السلوكيات غير المرغوبة أو "السلوك السيئ". إن الأنماط التربوية التي يتبعها الوالدان والمربون هي التي تحدد إلى حد كبير ما إذا كان هذا السلوك سيترسخ ويتفاقم أو سيتم تعديله وتجاوزه ليصبح الفرد عضوًا سويًا وفعالًا في المجتمع.
كيف تساهم الأساليب التربوية في ظهور السلوك السيئ؟
يظهر السلوك السيئ (مثل العدوانية، العناد، الكذب، الانسحاب الاجتماعي، أو ضعف الانضباط) غالبًا كاستجابة مباشرة أو غير مباشرة لأساليب تربوية معينة:
1. الإهمال العاطفي وعدم المبالاة 😥
عندما لا يجد الطفل الاهتمام العاطفي الكافي أو لا تُلبّى احتياجاته الأساسية للشعور بالأمان، قد يلجأ إلى السلوكيات السلبية (مثل نوبات الغضب أو إيذاء الآخرين) كوسيلة لجذب الانتباه، حتى لو كان انتباهًا سلبيًا. الإهمال هنا يرسخ اعتقادًا لدى الطفل بأن قيمته مرتبطة فقط بردود الأفعال المبالغ فيها.
2. القسوة والسيطرة المُفرطة 😠
التربية التي تعتمد على العقاب الجسدي أو اللفظي الشديد، التهديد، والتحكم المُطلق تُولّد مشاعر الخوف والقلق. هذا النمط قد يؤدي إلى:
العدوانية: حيث يتعلم الطفل أن القوة والقسوة هي الطريقة الوحيدة لحل المشكلات أو التعبير عن الغضب.
الكذب والخداع: كوسيلة للهروب من العقاب، مما يرسخ سلوك التجنب بدلاً من تحمل المسؤولية.
التمرد والعناد: كرد فعل طبيعي على سلب الإرادة والاستقلال.
3. التدليل والحماية الزائدة 🛡️
على النقيض من القسوة، فإن التدليل المفرط وتلبية جميع الطلبات دون حدود يمنع الطفل من تعلم ضبط النفس وتأجيل الرغبات. هذا قد يؤدي إلى:
الأنانية وعدم مراعاة الآخرين: حيث يعتقد الطفل أنه محور الكون وأن الآخرين موجودون لخدمته.
ضعف المرونة: وعدم القدرة على مواجهة الإحباط أو التعامل مع الرفض، مما ينعكس على علاقاته الاجتماعية.
دور التربية الإيجابية في تعديل السلوك السيئ
تعتمد التربية الفعالة في التعامل مع السلوك السيئ على مبدأ تعديل السلوك بدلاً من مجرد عقابه. وهنا تبرز أهمية الأساليب الإيجابية:
1. التركيز على التعزيز الإيجابي ✨
بدلاً من التركيز المستمر على توبيخ السلوك السيئ، يجب على الوالدين تعزيز السلوكيات الجيدة وتشجيعها بالمدح والمكافأة والاهتمام. القاعدة الأساسية في علم النفس السلوكي هي أن "السلوك المعزز هو سلوك يتكرر". هذا يحفز الفرد على تكرار الأفعال الإيجابية ليرضي نفسه والآخرين.
2. القدوة الحسنة 🧑⚖️
الأطفال يتعلمون بالملاحظة أكثر من التلقين. فإذا رأى الطفل والديه يحلان النزاعات بالصراخ أو العنف، فسيعتقد أن هذا هو السلوك المقبول. أما إذا شاهَد الوالدين يتعاملان مع الغضب بهدوء ومناقشة، فسيتعلم ضبط الانفعالات وتطبيق هذا النموذج السلوكي.
3. وضع الحدود الواضحة والثابتة 🛑
الحدود والقواعد الواضحة تمنح الطفل شعورًا بالأمان وتُعلمه معنى المسؤولية. يجب أن تكون عواقب خرق القواعد معروفة مسبقًا ومتسقة. إن التذبذب في تطبيق القواعد (معاقبة السلوك تارة وتجاهله تارة أخرى) هو ما يُربك الطفل ويزيد من السلوك غير المرغوب فيه.
4. بناء العلاقة والتواصل 🗣️
التربية ليست مجرد إصدار أوامر، بل هي علاقة مبنية على الحب والاحترام. الاستماع إلى مشاعر الفرد وتفسير دوافعه للسلوك السيئ (مثل: هل كان غاضبًا؟ هل شعر بالظلم؟) هو الخطوة الأولى لتعديل السلوك. عندما يشعر الفرد بأن مشاعره مفهومة، يصبح أكثر استعدادًا للتعاون وتغيير سلوكه.
تأثير التربية السلطوية على السلوك العدواني
يشير النمط التربوي السلطوي (Authoritarian Parenting) إلى الآباء الذين يتسمون بـ:
المطالب العالية والتحكم الشديد: يضعون قواعد صارمة وتوقعات عالية دون مساحة للحوار أو النقاش.
الاستجابة المنخفضة (البرود العاطفي): لا يستجيبون كثيرًا للاحتياجات العاطفية لأطفالهم أو لوجهات نظرهم.
الاعتماد على العقاب القاسي: يستخدمون العقاب الجسدي أو التوبيخ اللفظي كأداة أساسية للتأديب.
شعارهم "افعل ما أقوله لك": لا يسمحون للطفل بالاستقلالية أو اتخاذ القرارات.
كيف يغذي هذا النمط السلوك العدواني؟ 💢
تساهم التربية السلطوية في ظهور السلوك العدواني لدى الأطفال من خلال عدة آليات نفسية وسلوكية:
1. القدوة العنيفة ونمذجة العدوان
الآباء السلطويون غالبًا ما يعتمدون على العدوان اللفظي (الصراخ، الإهانة) أو العدوان الجسدي (الضرب) لفرض الطاعة. هذا يوفر نموذجًا واضحًا للطفل:
يتعلم الطفل أن العنف هو وسيلة مقبولة لحل النزاعات والحصول على ما يريد، مما يزيد من احتمالية استخدامه لهذا السلوك مع أقرانه أو إخوته.
يرى الطفل أن الشخص "الأقوى" هو الذي يفرض رأيه، فيتبنى سلوك التنمر أو التسلط في البيئات الأخرى.
2. الكبت العاطفي ونقص مهارات التعبير
عندما يمنع الطفل باستمرار من التعبير عن مشاعر الغضب أو الإحباط أو الرفض خوفًا من العقاب، فإنه يلجأ إلى كبت هذه المشاعر. هذا الكبت لا يزيل المشكلة، بل يجعل المشاعر تتراكم وتخرج لاحقًا بشكل عنيف ومفاجئ، أو تتحول إلى:
عدوانية موجهة نحو الذات: مثل إيذاء النفس.
عدوانية متفجرة: رد فعل عنيف غير متناسب مع الموقف.
3. التمرد والاستياء المُتزايد
الشعور المستمر بالتحكم والقمع يولد الاستياء والحاجة إلى إثبات الذات. قد يظهر هذا الاستياء في شكل التمرد المفتوح (العناد المفرط) أو العدوان السلبي (مثل التخريب أو الرفض غير المباشر). السلوك العدواني هنا يكون محاولة لاستعادة جزء من السيطرة المفقودة على حياته.
4. ضعف المهارات الاجتماعية
البيئة السلطوية لا توفر مساحة لتعلم مهارات التفاوض، التعاطف، وحل المشكلات بشكل سلمي. وبالتالي عندما يواجه الطفل موقفًا صعبًا في المدرسة أو المنزل، تكون أدواته الوحيدة هي العدوان لأنه لم يتدرب على بدائل أكثر نضجًا.
بقلم : فيصل بن احمد البقمي