وصف المدون

.bigmag-post-author { display: none; }
الصفحة الرئيسية غير مصنف المدح والكلمة الطيبة والثناء: هندسة النفوس وفن الإحياء بقلم : فيصل البقمي

المدح والكلمة الطيبة والثناء: هندسة النفوس وفن الإحياء بقلم : فيصل البقمي


في خضم الحياة اليومية التي تسيطر عليها الروتينية والضغوطات قد ننسى أحيانًا قوة الكلمة الطيبة وأثرها العميق على النفس البشرية إن مدح الآخرين وتقدير جهودهم ليس مجرد مجاملة عابرة بل هو فعل يحمل في طياته شحنة إيجابية هائلة قادرة على تحفيز الأفراد معنويا ونفسيا بشكل يفوق أي حافز مادي.

إن عبارة "أحسنت" أو "شكرا لك على جهودك" أو "أقدر ما قمت به" لها صدى خاص في النفس فبمجرد سماعها يشعر الشخص بتقدير ذاته وبأن ما يفعله له قيمة وهذا الشعور يمنحه دفعة معنوية كبيرة لمواصلة العطاء والإبداع على عكس الحافز المادي الذي قد يزول أثره بمجرد إنفاقه فإن الأثر النفسي للثناء والتقدير يظل راسخا ويدوم لفترة أطول.

كيف يحفز المدح الأفراد نفسيا ومعنويا

  • يعزز الثقة بالنفس عندما يرى الشخص أن جهوده محل تقدير فإنه يزداد ثقة بقدراته وإمكانياته.

  • يشجع على الاستمرارية المدح يبعث على الرغبة في الاستمرار في الأداء الجيد وتقديم المزيد من الإنجازات.

  • يخلق بيئة إيجابية في بيئة العمل أو الدراسة أو حتى في العلاقات الأسرية فإن انتشار ثقافة المدح والتقدير يخلق مناخا من الإيجابية والتعاون.

  • يقلل من التوتر والإحباط الشعور بالتقدير يمنح الفرد شعورا بالراحة النفسية ويخفف من ضغوط العمل أو الحياة اليومية.

المدح مقابل المناداة

المدح والمناداة كلاهما له أثره في حياة الأفراد ولكن المدح والتقدير يتفوقان في تأثيرهما الإيجابي فالمناداة أي تقديم حافز مادي قد يكون ضروريا في بعض الأحيان ولكنه غالبا ما يكون له تأثير مؤقت ومحدود فالشخص الذي يعمل فقط من أجل المال قد يفقد حماسه بمجرد تحقيق هدفه المادي أما الشخص الذي يشعر بالتقدير والثناء فإنه يستمر في العطاء حتى في غياب الحوافز المادية لأنه مدفوع بشعور داخلي بالرضا والإنجاز.

لذلك فإن بناء مجتمع صحي ومتحفز يتطلب منا أن نولي اهتماما كبيرا بتقدير جهود بعضنا البعض وأن نجعل من الثناء والتشجيع عادة يومية فكلما زرعنا بذرة تقدير في قلوب الآخرين جنينا ثمارها إبداعا وعطاء وانتماء.

قوة الكلمة الطيبة: الثناء والتقدير كحافز نفسي ومعنوي

لطالما كان ينظر إلى التحفيز في بيئات العمل والتعليم على أنه عملية مادية بحتة تتمثل في تقديم المكافآت والعلاوات والحوافز الملموسة ومع ذلك فقد أثبتت الدراسات الحديثة في علم النفس وعلم الاجتماع أن التقدير المعنوي والثناء الصادق لهما أثر يفوق بكثير أي حافز مادي مؤقت. إن قوة الكلمة الطيبة والثناء على إنجازات الآخرين تنعكس إيجابًا على حالتهم النفسية والمعنوية مما يدفعهم إلى بذل المزيد من الجهد وتحقيق نتائج أفضل.

فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصف الكلمة الطيبة بأنها صدقة وهذا الوصف يحمل في طياته دلالات عميقة فكما أن الصدقة المالية تطهر المال وتنميه فإن الكلمة الطيبة تطهر القلوب وتقوي الروابط بين الناس. وهذا يرفع من شأنها لتصبح عملا صالحا يُثاب عليه المسلم حتى وإن لم يكلفه جهدا أو مالا.

يقول الله تعالى جل جلاله: “أَلَمْ تَرَ‌ كَيْفَ ضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَ‌ةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْ‌عُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ۗ وَيَضْرِ‌بُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُ‌ونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَ‌ةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْ‌ضِ مَا لَهَا مِن قَرَ‌ارٍ‌”.

أثر الكلمة الطيبة في بناء العلاقات

إن الله تعالى قد وصف نبيه المصطفى بأنه حلو الكلام وعذب الحديث وطيب المعشر ولو كان على خلاف ذلك لانفض الناس من حوله وهذا دليل قاطع على أن الكلمة الطيبة هي أساس بناء العلاقات الإنسانية القوية والمستدامة. فالإنسان بطبعه ينجذب إلى من يحسن الحديث إليه ويقدره ويبتعد عمن يغلظ له في القول.


الكلمة الطيبة شجرة مثمرة

ضرب الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مثلا بليغا ليوضح لنا الفرق بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة فشبه الكلمة الطيبة بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وهذا التشبيه يوضح أن أثر الكلمة الطيبة لا يزول بل ينمو ويتجدد ويؤتي ثماره باستمرار ويشبه أيضا الأثر الإيجابي الذي تتركه في نفوس الآخرين.

وعلى الجانب الآخر فقد شبه الكلمة الخبيثة بشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار وهذا التشبيه يوضح أن الكلمة السيئة وإن كانت قد تؤذي في وقتها فإن أثرها لا يبقى ولا ينبت خيرا بل يكون ضررها لحظيا وعابرا ومع ذلك فهي مؤذية وضارة.

أدلة علمية ونتائج بحثية

لقد قام العديد من الباحثين بدراسة العلاقة بين التقدير النفسي والتحفيز الذاتي وخرجوا بنتائج مذهلة تؤكد أهمية هذا الجانب.

  • دراسة جامعة هارفارد أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد على موظفين في شركات مختلفة أن الموظفين الذين يتلقون الثناء والتقدير من رؤسائهم وزملاءهم يميلون إلى الشعور بالرضا الوظيفي والولاء للمؤسسة بشكل أكبر من أولئك الذين يعتمد تحفيزهم على الحوافز المالية فقط. ووجدت الدراسة أن هذا الشعور بالتقدير يرفع من مستوى الدوبامين وهو هرمون السعادة والتحفيز في الدماغ مما يعزز من الإبداع والإنتاجية .

  • نظرية التحديد الذاتي (Self-Determination Theory) التي وضعها عالما النفس إدوارد ديسي وريتشارد رايان تؤكد أن الإنسان لديه ثلاث احتياجات نفسية أساسية الكفاءة والاستقلالية والعلاقة ويؤدي تلبية هذه الاحتياجات إلى تحفيز داخلي دائم. ويعتبر الثناء والتقدير أحد أهم العوامل التي تساهم في تلبية حاجة الفرد إلى الكفاءة فبمجرد أن يشعر الشخص بأن جهوده محل تقدير فإنه يدرك كفاءته وقدرته على الإنجاز.

  • دراسات حول السلوك التنظيمي أظهرت أن الموظفين الذين يشعرون بالتقدير يقل لديهم معدل الغياب والانسحاب من العمل لأنهم يشعرون بقيمتهم وأهميتهم داخل المنظومة. وهذا يؤكد أن الثناء ليس مجرد كلمات بل هو استثمار في العنصر البشري.

التأثير النفسي والمعنوي للثناء

عندما يتم مدح شخص ما على عمل قام به فإن ذلك يترك أثرا عميقا على حالته النفسية.

  • تعزيز الثقة بالنفس الثناء يعمل كمرآة تعكس للفرد صورته الإيجابية ونجاحاته مما يعزز ثقته بقدراته.

  • خلق بيئة إيجابية نشر ثقافة التقدير في أي بيئة سواء كانت عائلية أو مهنية يساهم في بناء علاقات صحية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون.

  • تحفيز الرغبة في العطاء عندما يشعر الفرد بأن جهوده مقدرة فإنه يميل إلى تقديم المزيد من العطاء والجهد دون انتظار مقابل مادي.

  • تقليل التوتر والإحباط الشعور بالتقدير يمنح الفرد إحساسا بالرضا والراحة النفسية مما يجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات والصعوبات.

وفي نهاية مقالي هذا الجزء البسيط من بحث قدمته سابقا إن فهمنا العميق لأثر الكلمة الطيبة يضع على عاتقنا مسؤولية استخدامها بفاعلية فبدلا من الاعتماد فقط على الحوافز المادية يجب أن نتبنى ثقافة التقدير والثناء كجزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية لكي نبني مجتمعا أكثر إيجابية وإنتاجية واكثر إنجازا .


بقلم :  فيصل بن احمد البقمي 



إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع