الغباء: مفهومه في علم النفس وهل هو مرض نفسي؟
يُعدّ الغباء مفهومًا معقدًا ومتعدد الجوانب، لا يقتصر على مجرد نقص في الذكاء أو القدرات العقلية، بل يتجاوز ذلك ليشمل السلوكيات وأنماط التفكير التي تؤدي إلى نتائج سلبية أو غير عقلانية. وفي حين يُنظر إلى بعض أشكال الضعف العقلي الشديد على أنها حالات طبية أو ناتجة عن خلل بيولوجي، فإن الغباء بمفهومه الواسع لا يُصنف عادةً كـ "مرض نفسي" بموجب التصنيفات الطبية القياسية، بل هو أقرب إلى سمة سلوكية أو نقص في المهارات المعرفية والعاطفية والاجتماعية.
مفاهيم الغباء في علم النفس
يتناول علماء النفس الغباء من عدة منظورات، ويُفرقون بينه وبين حالات القصور العقلي (مثل الإعاقة الذهنية) التي لها أساس بيولوجي وتُصنف سريريًا:
المنظور المعرفي (IQ):
يشير هذا المنظور إلى انخفاض معامل الذكاء (IQ) أو نقص في القدرات العقلية الأساسية مثل التفكير المنطقي والنقدي وحل المشكلات. يُعتبر الشخص غبيًا في هذا السياق إذا كان غير قادر على إكمال مهمة بسيطة أو حل معادلة سهلة. الغباء الخِلقي (نقص في التكوين البيولوجي للدماغ) يُصنف ضمن هذا المنظور، ويُسمى الآن القصور العقلي أو الإعاقة العقلية.
المنظور العاطفي (الغباء العاطفي):
يركز هذا المنظور على نقص القدرة على التحكم في المشاعر والعواطف واستخدامها في اتخاذ القرارات السليمة. الشخص الغبي عاطفيًا قد يتخذ قرارات متسرعة بناءً على مشاعره (مثل ترك العمل بسبب الملل دون التفكير في العواقب)، أو قد يجد صعوبة في فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم بشكل فعال (الغباء الاجتماعي).
المنظور السلوكي والاجتماعي:
يصف الغباء هنا من خلال مجموعة من السلوكيات التي تدل على عدم الفهم أو التصرف بطريقة غير عقلانية تسبب الخسارة للنفس أو للآخرين. ومن أبرز هذه التصرفات:
المغالاة في تقدير الذات والثقة المفرطة: حيث يميل الشخص إلى تضخيم قدراته.
إلقاء اللوم على الآخرين: لا يتحمل الشخص الغبي مسؤولية أخطائه وينسب النجاح لنفسه والفشل للآخرين.
الجمود الفكري: عدم القدرة على مراجعة الأفكار وتغيير الموقف بغض النظر عن الأدلة والحجج المقدمة.
الرد بالغضب والعدوان: اللجوء إلى الانفعال كآلية دفاع عندما لا تسير الأمور كما يرغب.
أقوال العلماء النفسيين والباحثين
لم يتفق علماء النفس على تعريف واحد قاطع للغباء، لكن دراساتهم أظهرت جوانب هامة:
كارلو إم. تشيبولا (Carlo M. Cipolla):
في كتابه "القوانين الأساسية للغباء البشري"، يصف تشيبولا الغباء بأنه فعل يسبب الخسائر لشخص أو مجموعة من الأشخاص دون تحقيق أي مكاسب للفاعل نفسه، بل قد يتسبب له بخسارة أيضًا. وضع تشيبولا قانونًا مفاده أن "الناس الأغبياء أخطر من الأشرار"، لأن الشر يمكن التنبؤ به بينما الغباء لا يمكن ذلك.
ديفيد دانينغ وجاستن كروغر (Dunning-Kruger Effect):
توصل الباحثان إلى ظاهرة "تأثير دانينغ-كروغر"، التي تشير إلى أن الأشخاص الأقل كفاءة يميلون إلى المبالغة في تقدير مهاراتهم وقدراتهم، بينما يميل الأشخاص الأكثر كفاءة إلى التقليل من شأن أنفسهم. هذا التضخم في الثقة بالنفس قد يُفسّر جزءًا من السلوكيات الغبية التي يراها الآخرون.
التمييز بين الغباء والحماقة:
يرى بعض المختصين، مثل من تناولوا مبحث "الحماقة"، أن الغباء قد يرتبط بخلل في التكوين العقلي أو القدرة على استيعاب المعلومات، بينما الحماقة قد تكون سلوكًا صادرًا عن شخص يملك العقل والتفكير لكنه لا يحسن توظيفهما بالطريقة الصحيحة، مما يجعل تصرفاته غير متناسبة مع المواقف.
باختصار، الغباء في معظم تجلياته ليس مرضًا نفسيًا بالمعنى السريري، بل هو مجموعة من أوجه القصور المعرفي، العاطفي، أو السلوكي، التي تتراوح ما بين نقص القدرات العقلية (القصور العقلي) إلى سوء استخدام الذكاء أو نقص الذكاء العاطفي والاجتماعي.
بقلم : فيصل بن احمد البقمي